نتالي تتحدث عن تجربتها في غرفة الحجر الصحي
نتالي تتحدث عن تجربتها في غرفة الحجر الصحي:ليلة لا أتمناها لأعدائي
قد تعلم حجم الخطر الذي يسببه فايروس “كورونا”، وبكل تأكيد أيضا تعلم سرعة انتشاره، حتى أنك قد تتحدّث مع الأهل والأصدقاء عن إمكانية انتشاره لدى نسبة كبيرة من اللبنانيين، ولكنه لن يُصيبك أنت. هكذا كانت ناتالي، فهي ظنّت أن “الكورونا” قد يصيب الجميع الا هي وأهلها، الى أن دخلت غرفة الحجر الصحّي في مستشفى بيروت الحكومي.
الأحد، في اليوم الأخير من شهر شباط، شعرت ناتالي بآلام حادّة في جسدها، مترافقة مع حرارة مرتفعة، وسعلة جافة، ولكن رغم الشبه الكبير بين هذه العوارض وعوارض “الكورونا” رفض العقل الباطني للمريضة التفكير بالفايروس، فقصدت الاطباء والصيادلة، ولكنها لم تتحسّن رغم أدوية الالتهابات التي تناولتها على مدى أسبوع كامل.
الأحد في السابع من آذار، وبناء على نصيحة من صديقة، توجّهت ناتالي الى إحدى مستشفيات جبيل، وكانت فكرة إصابتها بالكورونا قد بدأت تغزو رأسها. وصلت الى المستشفى فأدخلوها بعد الاستماع لما تعانيه الى طوارىء معزولة، ورفضوا فتح ملفّ لها وإدخالها الى الغرف لأن “عليها حرارة”، وطلبوا منها التوجه الى مستشفى بيروت الحكومي لإجراء فحص “الكورونا”.
رفض الطبيب طلب الصليب الأحمر، ورفض الصليب الاحمر نقل المريضة الا بعد طلب الوزارة، ورفضت الوزارة اعتبار المريضة “مصابة محتملة” بالكورونا، فاتصلت ناتالي بأبيها ليوصلها الى بيروت. لن ندخل في تفاصيل ما حصل مع ناتالي في هذه المستشفى ولكن ما يُمكن قوله أن التعاطي كان مستهترا.
وصلت ناتالي الى المستشفى في بيروت ودخلت القسم المخصص للمشتبه بإصابتهم بالكورونا، وهنا تبدأ رحلتها. “الى جانبي شاب يشعر بألم في “زلاعيمه”، وفتاة اجنبية تعمل بالخدمة المنزلية، بعدها دخل كلّ منا غرفة منعزلة لإجراء الفحص. أنبوب طويل يتم إدخاله في فتحتي الانف، تشعر معها بحاجة الى السعال والعطس والتقيؤ، شعور ثلاثي الاوجه، ولكنه يمر، وبعدها أجريت صورة للرئتين، ثم صعدت الى الطابق المخصص للحجر، وعندها أنقطع عن العالم الخارجي، منذ لحظة مروري بالممر الفارغ البارد في الطابق”.
“إجراءات الوقاية ممتازة، فحين أدخل غرفتي لا يزورني أحد، الا نادرا، ويكون مرتديا كامل عدة الحماية، وتسليم الطعام يكون عبر وضعه على طاولة خشبية خارج باب غرفتي وبأفضل الأحوال وضعه على الطاولة المقابلة لها من جهة الداخل، ويتم تسليم الأغراض وتسلمها بهذه الطريقة، حتى أنني عندما استعرت “شاحن” الهاتف، لم يرض صاحبه استعادته، لأن ما يدخل غرفتي لا يخرج منها، وبحال أردت طلب الطعام من الخارج، فلا يمكنني الدفع بالعملة الورقية”، وعندما شعرت بالبرد وطلبت غطاءً إضافيا، دق باب غرفتي، قلت تفضّل، فلم يدخل أحد، وطلبوا مني إدخال الغطاء فوجدته معلقا بالخارج”.
جلست ناتالي على سريرها، اتصلت بأبيها، الذي ركن السيارة خارج المستشفى منتظرا خروج ابنته، أخبرته أنها لن تخرج، فانهار باكيا، “كيف أخدوكي مني”، يقول لها، وهي تحاول شرح الوضع وبأنها قيد المراقبة. لم ترَ ناتالي أباها على هذه الحال، كان مرتبكا، وصل وابنته بجانبه، والآن يقولون له بأنه لا يمكن أن يراها، فلا هو ولا هي استطاعا النوم في تلك الليلة، اما عن ردّة فعل والدتها، فتفضّل ناتالي عدم تذكر تلك اللحظة، فنترك الأمر لخيال كل واحد منكم. انصبّ تفكيرها على أمر واحد وهو أن “الكورونا” وصل اليها، وان الأمر ليس مستحيلا كما كانت تظنّ هي، وربما، قد لا ترى أهلها مجددا.
لم يكن التلفاز موصولا بالاقمار الصناعية، ولم تملك سوى هاتفها يساعدها على تمرير الوقت. “بقيت على سريري، أقرأ الادعية التي ترسلها لي أمّي على هاتفي، أطلب من الله امورا خاصة، وأنتظر”.
في اليوم التالي بعد محاولات عديدة من ناتالي لمعرفة وضعها تمكنت عصرا من محادثة الطبيب، الذي أكّد لها أنها مصابة “بالبرونشيت”، وفحص “الكورونا” سلبيا، وبإمكانها الخروج بعد تشخيص حالتها، ولا حاجة لها لفحص آخر كون مرضها بات واضحا من خلال الفحص وصورة الرئتين.
“شعرت أنني على وشك الخروج الى الحريّة بعد وقت طويل بالأسر، وعندما استقلّيت سيارة العودة الى المنزل، فتحت النافذة رغم البرد لأشمّ هواء الحريّة، واليوم أنا في منزلي أعزل نفسي 14 يوما بناء على طلب الطبيب”. “إنها ليلة لا أتمناها لأعدائي”، تقول ناتالي.
كثيرة هي الرسائل التي أرادت ناتالي إيصالها من قصّها لتجربتها، الأولى لتكون التجربة المريرة حافزا للجميع للوقاية وعدم الاستهتار، والثانية والأهم، لفريق الأطباء في المستشفى، طلاب الجامعة اللبنانية، فتقول: “رغم بشاعة الليلة وصعوبتها، هناك من يحاول التخفيف عنا، ففي لحظة شعرت بها أنّ الخروج من المستشفى لم يعد خياراً لديّ، كانت الطبيبة فرح الى جانبي تُخبرني بأنني سأجري فحص الكورونا وستكون النتيجة سلبيّة بإذن الله، وسأخرج سريعا. هناك من تطوّع ليكون الى جانبنا، وهذا أعطاني شعورا بالأمان، رغم كلّ الخوف”.