لبنان نحو إلغاء مفاعيل المادة ٥٢٢ عقوبات
أين تكمن يا سادة الإرادة الحرة و الرضى الصحيح الخالي من العيوب في عقد الزواج هذا ؟هل تتخيلون حياة زوجية قائمة على الاغتصاب والقبول بالزواج قهراً؟
نص المادة ٥٢٢عقوبات ،هو نص مضى على إقراره ما يقارب ٧٠ عاماً ،ألم يحن الوقت لإعادة النظرية بعد كل هذا التطور في الفكر البشري،لجهة مفهوم الانسان كقيمة بحد ذاته ، وبعد تطور مفهوم حقوق الانسان وارتقاء مفهوم العدالة الاجتماعية .
إننا كنساء لبنانيات ،عندما يتم الكلام عن حقوقنا يصبح هناك بعض التباكي ويتم تصوير المرأة و كأنها مستضعفة” ،ولكننا نرفض هذه الصورة للمرأة اللبنانية .
و قد تجلى هذا الرفض بإعادة فتح الباب أمام تحدٍ جديد للدولة من خلال إلغاء مفاعيل المادة 522 عقوبات لبناني،فقد “وافق مجلس الوزراء على اقتراح القانون الذي يرمي إلى تعديل و إلغاء المواد من قانون العقوبات ،التي كانت لا تزال تعفي المغتصب من العقوبة في حال أقدم على الزواج من ضحيته”.
تنص المادة /522/ من قانون العقوبات في لبنان على أنه “إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم (الاغتصاب، الخطف بغية الزواج…) والمعتدى عليها أُوقفت الملاحقة، وإذا صدر الحكم في القضية عُلِّق تنفيذ العقاب الذي فُرضَ عليه”.
يذكر ان لجنة الادارة والعدل كانت قد اقرت في 15 شباط 2017 الغاء المادة 522 حصراً، من دون المواد المرتبطة بها، خصوصاً في ما يتعلق بمجامعة القاصر(تعديل زواج القاصرات)، وغيرها من المواد التي تطالب جمعيات المجتمع المدني بتعديلها.
القانون المعدّل منذ سبعين عاما، رفض المس به أو الكلام عنه طيلة هذه المدة، نظراً الى ارتباطاته بقانون الاحوال الشخصية لدى الطوائف، واعتبار اي تعديل عليه هو من صلاحية المؤسسات الدينية التابعة لهذه الطوائف وليس مجلس النواب، أما الغاء هذه المادة فقد أتى بعد حملات ضغط عديدة قام بها المجتمع المدني، أثمرت الغاء هذه المادة حصراً أي (المادة ٥٢٢عقوبات لبناني فقط).
وقد انحصر النقاش أنذاك بين مؤيد لالغاء هذه المادة و بين رافض هذا الالغاء .
ولكن السؤال الذي يطرح :هل يحتاج إلغاء مادة تنطوي على هكذا اجحاف ،كل هذا الوقت و كل هذا الجدال ؟
اذ ان هناك مجموعة من الجرائم معددة في هذا الفصل إعتباراً من المادة 503 عقوبات “التي توقف الملاحقة أو تنفيذ العقوبة بحق مرتكب إحداها إذا عقد بينه و بين المعتدى عليها زواج صحيح لمدة ٣سنوات او ٥ بحسب الجرم المرتكب “.
جرائم تندرج تحت عنوان “الاعتداء على العرض ” وهي متعددة وقد يكون أهمها جريمتي الاغتصاب و الجماع بواسطة الخداع او من خلال نقص في أهلية المعتدي عليها ،إذا كان هذا النقص ناتج عن وضع عقلي او جسدي ام لناحية عمر المعتدى عليها .
بالعودة إلى نص المادة الذي يقول ” إذا عقد زواج صحيح بين ..”نطرح اكثر من سؤال :
١)هل يجوز ان توقف ملاحقة مرتكب جرم يصنف في بعض الجرائم المهددة في الفصل المذكور ،ويفوق عددها العشرة ،بأنها جنايات ؟ و الأخطر من هذا هل يجوز ان يوقف تنفيذ عقوبة جنائية صدر بها حكم؟ والمعروف ان صدور الحكم يعني ثبوت ارتكاب الجريمة من قبل المحكوم عليه .
٢)هل يجوز أن تتم مخالفة قاعدة قانونية راسخة استقرت عليها جميع القوانين ،تقضي بعدم جواز استفادة أحد من خطئه؟
إن جريمة الاغتصاب أو أي جريمة منصوص عليها في هذا الفصل قد يقع على قاصر وبالتالي يتولى أهلها مهمة الموافقة و المضي في الزواج .
و الأهم من الناحية القانونية “عقد زواج صحيح “يعنى أنه بني على إيجاب “قبول” صحيحين خاليين من اي شائنة ،وعليه فإذا وافق المعتدي أو الجاني على العرض تحت ضغط السجن تملصاً من عقوبة جريمته ؟
وبناء على ما تقدم ان إلغاء المادة ٥٢٢ هو إنجاز منقوص إذ لم يتم إلغاء مفاعيلها بالكامل، فهي كانت تنطبق على جميع الجرائم الواردة بين المادتين 503 و521، وتعفي مرتكب إحدى هذه الجرائم من العقاب في حال تزوج الضحية”.
صحيح أن مفعول المادة ٥٢٢قد أزيل عن جرم الاغتصاب، ولكن أبقي عليه في المادتين 505 و518، مع العلم أن النواب على دراية بهذه الثغرة الخطيرة .
ولتوضيح المسألة أكثر، فإن المادة 505 عقوبات تتناول مجامعة القاصر كجرم يعاقب عليه القانون، غير أن تعديل المادة الذي توافق عليه أعضاء لجنة الإدارة والعدل وأقره المجلس النيابي ، تمثل بوضع مرتكب هذا الجرم أمام خيارين: إما السجن وإما الزواج بالضحية في حال كانت تبلغ بين الـ15 والـ18 عاما من العمر، مع إضافة وجوب تدخل مندوبة اجتماعية في الحالات التي سيتم فيها الزواج للتأكد من أن القاصر على ما يرام. وهنا نسأل، إذا كانت مجامعة القاصر تعتبر جرما في القانون، بأي منطق يعطى المرتكب خيار الزواج من الضحية مقابل الإفلات من العقاب؟ وما المغزى من وجوب متابعة مندوبة اجتماعية للعلاقة الزوجية إذا افترضنا أنه لم يقع أي أذى، بما أنه عقد زواج صحيح بين الطرفين؟ والأهم أن هذا التعديل يعود ويكرس قوننة تزويج القاصرات والقبول به كحل للاعتداءات الجنسية.
أما بالنسبة إلى المادة 518عقوبات لبناني ،فهي تتناول فض البكارة من خلال الإغواء بوعد الزواج، وفي التعديل الذي أقر أدخل المشرعون مفعول المادة 522 على هذه المادة أيضا وأبقوا على احتمال الزواج كإعفاء من العقاب ولا تحديد لسن الضحية.
ختاماً وافق مجلس الوزراء على اقتراح القانون الذي يرمي إلى تعديل وإلغاء المواد من قانون العقوبات، التي كانت لا تزال تعفي المغتصب من العقوبة في حال أقدم على الزواج من ضحيته.ونأمل في القريب العاجل إلغاء كل المواد المجحفة بحق المرأة اللبنانية .
المراجع
قانون العقوبات اللبناني
منظمة كفى
جريدة النهار
إعداد الأستاذة ملكة الحلبي