كلمة رئيس الوفد الجزائري في القمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية في بيروت
كلمة رئيس الوفد الجزائري في القمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية في بيروت
ألقى ممثل رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عبد العزيز بوتفليقة رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح، كلمة في الدورة الرابعة للقمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية، قال فيها:
“يشرفني في البداية أن أنقل إليكم تحيات أخيكم فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي شرفني بتمثيله في قمتنا هذه، وتمنياته بأن تتوج هذه القمة بتحقيق الغايات والأهداف التي تصبو إليها أمتنا العربية ويسهم في تعزيز عملنا الاقتصادي والاجتماعي العربي. كما يسرني، فخامة الرئيس السيد العماد ميشال عون، بمناسبة توليكم رئاسة قمتنا هذه، أن أعرب لفخامتكم عن خالص الشكر على توفير بلدكم لكافة أسباب النجاح لقمتنا هذه .ولا يفوتني بالمناسبة إسداء التقدير إلى خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وإلى المملكة العربية السعودية، على كل ما بَذَلَته من جهود قيّمة خلال توليها رئاسة قمتنا السابقة.
نلتقي مجددًا في هذه القمة في ظل ظروف يشهد فيها الوطن العربي تحولات وتحديات كبرى على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يتوجب التشاور وتحديد الموقف من تداعياتها…
ويبقى التكامل الاقتصادي بين الدول العربية هدفًا ساميًا ينبغي علينا تحقيقه وضبط أولوياته باستغلال أمثل للقدرات الهائلة التي يزخر بها وطننا العربي في إطار إرساء قواعد عملية لكل خطوة نخطوها. كما ينبغي علينا اليوم تشخيص مسار التكامل العربي انطلاقًا من رصد المستوى الذي بلغه هذا المشروع، والعمل بالتدريج على تجسيد المراحل الجديدة التي يتحتم علينا الاتفاق عليها…
وإنني على يقين من أننا نتقاسم في هذا الإطار إرادة مشتركة ترمي إلى الدفع بالجانب الاقتصادي والتنموي للأمام… وصولاً إلى تأسيس فضاء اقتصادي وتجاري ناجح على شاكلة التكتلات الاقتصادية القائمة في العالم.
غير أن تحقيق هذا الطموح يبقى مرتبطًا بمدى قدرتنا على تجاوز خلافاتنا، والعمل على إعادة اللحمة بيننا من أجل تهيئة أرضية حقيقية لبناء صرح التكتل الاقتصادي العربي المنشود، والرامي إلى بلوغ “منظومة عربية اقتصادية جديدة” قوية وحاضرة على الساحة الإقليمية والدولية.
وإننا لذلك – سيداتي سادتي – ننوه بالتوجه الذي تبنته هذه القمة تحت شعار “الإنسان العربي محور التنمية… وإن تحقيق التطلعات التنموية في وطننا العربي اليوم هي غاية يجب أن نعمل جميعا على تحقيقها، غير أن ذلك يبقى مرهونًا بمدى نجاحنا في مواجهة التهديدات التي تواجه منطقتنا ولاسيما تلك المتعلقة بمكافحة ظاهرة الإرهاب والتطرف العنيف بكل أشكاله… إيمانًا منا من أنه : “لا يمكن تصور تنمية دون أمن ولا أمن دون تنمية”.
ولتحقيق هذا المبتغى لابد علينا إذن من بذل جهود خاصة لتوجيه استراتيجيات التنمية في منطقتنا وتصويبها نحو الإنسان العربي بما يتماشى واحتياجاته، والعمل في نفس الوقت على توجيه السياسات والبرامج الرامية إلى اجتثاث هذه الظاهرة المقيتة… من خلال تكثيف الاستثمار في مجالات التربية والتعليم والتنمية المستدامة والمواطنة. والعمل عبر مساعدة شبابنا، وجعلهم طرفًا فاعلاً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ليكونوا محورًا أساسيًا في عملية التطوير والبناء وتجنيبهم السقوط في براثن التطرف والإرهاب بمختلف أشكاله.
وفي نفس السياق لن يفوتني التنويه بالاهتمام الذي حظي به موضوع تعزيز العمل المشترك بين قطاعي السياحة والثقافة، والذي من شأنه المساهمة في التعريف بتراثنا الثقافي والحضاري العريق، ويساهم في تحقيق مردود اقتصادي معتبر يدعم مسار التنمية. وهو الأمر الذي يدعونا بنفس الوقت إلى اعتماد استراتيجية جريئة للقضاء على الفقر، والعناية بالطفولة وتأطير الأسرة العربية باعتبارها الحاضنة الأساسية لكل مجتمع سليم وسوي ينمو فيه الإنسان على حب الوطن، وتزداد فيه العناية بتطوير وتنمية الرياضة، وتتكثف فيه بنفس الوقت المبادلات والأنشطة الشبابية البينية فيما بين الدول العربية…
وإن بلادي في هذا المجال تدعم كل مبادرة ترمي إلى ترقية التعاون التجاري بين الدول العربية بما يسهم بالدفع بعجلة التنمية وتحقيق استقلالية الاقتصاديات العربية وتكاملها.
وعلى صعيد آخر، فإن التنمية الزراعية في منطقتنا أصبحت تعد هي الأخرى مطلبًا ضروريًا يتوجب منحها كافة الوسائل وصولاً إلى تحقيق التكامل والتبادل التجاري في نطاق المحاصيل الزراعية والنباتية والحيوانية، الأمر الذي يتيح الفرصة للتحكم في حماية الأوضاع البيئية بمنطقتنا، ويجسد طموحاتنا الرامية إلى تحقيق الأمن الغذائي العربي.
من جانب آخر، وبالنظر إلى إمكانيات دولنا في مجال الطاقة والأوضاع التي تعرفها الأسواق العالمية فإنه يتوجب علينا فيها تعزيز التشاور والتنسيق لضمان استقرار الأسواق والحفاظ على مصالحنا المشتركة والبحث في سبل التعاون والشراكة في مجال الطاقات المستدامة بُغية مواكبة تحديات الانتقال الطاقوي.
بالإضافة إلى ذلك، وحرصا منها على المشاركة في الدفع بالعمل العربي الاقتصادي والاجتماعي المشترك، طرحت بلادي مشروع “الميثاق العربي الاسترشادي لتطوير قطاع المؤسسات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر” التي أضحت تشكل محورًا هامًا وفعالاً في أغلب الاقتصاديات في العالم لما توفره من مناصب شغل فضلا عن مساهمتها في زيادة القيمة المضافة ورفع الناتج الداخلي الخام.
إن خيارنا هذا يجد بالواقع مبرره من النتائج الجيدة التي حققتها الجزائر في إطاره، وهو الخيار الذي عرف في العشرية الأخيرة نمواً معتبراً، تجلى في إنشاء أزيد من مليون مؤسسة أسهمت في خلق أكثر من 2.600.000 منصب شغل، 51% منها في قطاع الخدمات، وما نسبته 38% في قطاع الأشغال العمومية والبناء والري…
وهنا أريد أن أغتنم هذه السانحة لأشير الى أن ما حققته الجزائر من تقدم اقتصادي واجتماعي تحت القيادة الحكيمة لفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، وتحقيق انجازات هامة على أكثر من مستوى قد انعكس بشكل ملحوظ على مختلف المؤشرات التي تبرز تطور حياة المواطن الجزائري.
وفي نطاق آخر، كرست الجزائر في قطاع التربية والتعليم مبدأ مجانية وإجبارية التعليم، حيث بلغت نسبة التمدرس بها % 98,5 للأطفال في سن التمدرس، وهي تعمل حاليًا على انتهاج سياسة إصلاحات منهجية ترمي إلى الرفع من نوعية التعليم والوصول به إلى مستوى عالمي.
وفيما يخص محو الأمية التي لا تتجاوز حاليا6,2 % بالنسبة للشباب (ما بين 15 و24 سنة) ووعيًا منها بالتطور الحاصل في المجتمع وظهور أشكال جديدة للأمية، خاصة في مجال استعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال :
تأمل الجزائر القضاء النهائي على هذه الظاهرة بالنسبة للشباب في حدود 2020، وبالنسبة للكبار في آفاق 2030.
أما بخصوص المرأة، فلقد أصبحت ترقية مشاركتها وتمثيلها وإدماجها في كل الميادين من صميم الجهود التنموية في بلادي، حيث أتاحت هذه السياسة لأن تكون المرأة ممثلة في البرلمان الحالي بنسبة تفوق 25% ، تحتل الجزائر فيها مراتب جد متقدمة عربيا وحتى عالميا.
وبالنسبة للصحة تضمن الجزائر الآن مجانية الصحة، وهي تعمل على وضع استراتيجيات تهدف إلى تطوير أداء النظام الصحي، مما يسمح بلوغ متوسط العمر فيها ما يتجاوز 77 سنة.
ومن ناحية أخرى، ووعياً منها بالجانب البيئي أوجدت الجزائر نظاما قانونيا يؤسس للمعايير البيئية تماشيا مع الاتفاقيات الدولية… نظام يقوم على النمو الاقتصادي وحماية الموارد الطبيعية وتطوير مستوى المعيشة.
وبخصوص الوصول إلى شبكات النقل، وتوزيع المياه والكهرباء والغاز فإن البرامج العديدة التي وضعتها الدولة قد سمحت للجزائر في السنوات الأخيرة بتحقيق معدل يصل في مجال الربط بشبكة الكهرباء إلى 99% ، وإيصال الغاز الطبيعي إلى أكثر من 53% ، أما بالنسبة للربط بشبكة المياه الشروب فقد وصل إلى حد 98% …
ووعيًا من بلادي بضرورة بذل المزيد من الجهود للتكفل بالحاجيات الاجتماعية المتبقية للمواطن والتعجيل بالإصلاحات الاقتصادية وتنويع الإنتاج الوطني فقد عمدت الجزائر إلى تبني نموذج جديد للنمو الاقتصادي يهدف إلى تنويع وتحويل الاقتصاد الوطني عبر إعطاء الأولوية لتلبية احتياجات المواطن، لاسيما فيما يتعلق بالصحة والتعليم والعمل والسكن.
إن واقع الأزمات المحيطة بعالمنا العربي ينبغي ألاّ يثني عزيمتنا وألا ينال من إصرارنا على تسخير كافة قدراتنا لتحقيق التكامل التنموي المنشود، خاصة وأن دولنا تدرك اليوم بأن التطورات في هذا العالم المترابط الصلات يشهد تحولات سريعة، يتعين علينا فيها ضرورة مواكبتها.
فدولنا العربية وبصفة متفاوتة، وحسب واقع كل واحدة منها، ووفقًا لإمكانياتها وتجاربها الذاتية تعد اليوم عمليًا منخرطة في عمل مشترك متواصل يرمي إلى إرساء تعاون وشراكة واندماج واسع…
وإن بلوغ هذا الهدف يتطلب بالضرورة تنقية الأجواء العربية وإيجاد حلول سلمية لمختلف الأزمات القائمة بينها من خلال تفعيل التضامن العربي والانصراف نحو حل القضايا الجوهرية المصيرية التي تواجه أمتنا العربية.
في الأخير، يطيب لي فخامة الرئيس أن أتمنى التوفيق لفخامتكم في رئاسة قمتنا هذه لما فيه خير أمتنا العربية المتطلعة للتطور والنماء والتقدم.”