سيدتي

أول لبنانية تقود منظمة المرأة العربية: الدكتورة فاديا كيوان أحلم بالتمكين الشامل للمرأة ومعالجة التشريعات والعادات الظالمة

تُعد الدكتورة فاديا كيوان، أول لبنانية تشغل منصب مدير منظمة المرأة العربية، خلَفاً للسفيرة ميرفت التلاوي، نموذجاً في التحدي والإرادة والتفاني في خدمة الآخرين؛ والإصرار على تغيير واقع المرأة العربية للأفضل، مستغلةً في ذلك دراستها للعلوم السياسية وخبرتها الدولية الواسعة، وتمثيلها لبلادها في المنظمات العالمية، وهذا ما جعل المقرّبين منها يلقّبونها بـ”المرأة الحديدية”. “لها” التقت الدكتورة كيوان في حوار كشفت فيه الكثير عن نفسها وأهدافها وطموحها.

– في البداية، ما هي أهداف منظمة المرأة العربية؟

دائماً أصف منظمة المرأة العربية بأنها “جسر التعاون بين الدول العربية”، سواء على مستوي القيادات أو الشعوب، حيث تأسّست بمبادرة من حكومات عدة عام 2003، ونبعت المبادرة بالدعوة إليها من السيدات الأوائل في دول عربية عدة، على رأسهن السيدة سوزان مبارك والنائبة بهية الحريري، ووصل عدد الدول العربية المشاركة فيها حتى الآن إلى 16 دولة. ويقود المنظمة مجلس تنفيذي، وهو مؤلف من السيدات الأوائل أو ممن يمثلهن، ويشكلن المجلس الأعلى للمنظمة حيث تعرض عليه القضايا ويتّخذ فيها القرارات، بعد أن تُعتمد من المجلس الأعلى للمنظمة.

– كيف وصلت إلى قيادة تلك المنظمة؟

أنا متفوقة في حياتي الدراسية، لأنني أتصف بالجدّية والقدرة على التحمّل، فقد حصلت على دكتوراه دولية في العلوم السياسية من جامعة باريس الأولى “السوربون”، كما أسّست معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف، حتى أصبح يُشار إليه بالبنان، وعملت أستاذة زائرة في جامعات عدة في الكثير من الدول، مثل: فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ومصر وتونس، وكنت ممن ساهموا في تأسيس الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، لتكون مرجعاً أساسياً في معالجة قضايا المرأة اللبنانية ومشكلاتها، كما ساهمت في مسيرتي الأكاديمية في إعداد جيل جامعي ناشئ على وعي كامل بدوره الحقيقي في إعلاء شأن الحياة السياسية، وشعاره “العمل الجاد ونظافة الكف والاستقامة والخدمة العامة”، كما كنت ممثلة شخصية لرئيس الجمهورية اللبنانية في المجلس الدائم للفرانكوفونية، وباحثة واستشارية لدى منظمات عدة عربية ودولية، وعضو مجلس جامعة الأمم المتحدة، ورئيسة اللجنة العلمية الاستشارية لدى برنامج “موست” لدراسة التحولات الاجتماعية لدى منظمة اليونسكو في باريس، وممثلة لبنان في المجلس التنفيذي لمنظمة المرأة العربية سابقاً الفترة بين 2003-2017، وعضو المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية. ولدي مؤلفات وأبحاث في مجالات المجتمع المدني، والحكم الرشيد، والإدارة الرشيدة للأحزاب السياسية، وقضايا المرأة، والأنظمة السياسية المقارنة.

– ما أكثر الشخصيات التي أثّرت في حياتك؟

تأثرت بشخصية العميد ريمون إده، الذي نطلق عليه في بلادنا “ضمير لبنان”، فقد أثّر في شخصيتي من حيث الاعتزاز بالشخصية القوية المبنية على الشجاعة وتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية من دون مواربة، أو الإمساك بالعصا من المنتصف. ومن الشخصيات التي تأثرت بكتابتها، قلم الراحل الكبير غسان تويني، وفي فترة عملي مستشارةً للنائب السابق بطرس حرب، خلال توليه وزارة التربية، تأثرت بجدّيته ونزاهته، رغم الأوضاع الأمنية والسياسية السيئة في البلاد وقتذاك.

– ما هي أحلامك للمرأة العربية في ظل قيادتك المنظمة التي بدأت منتصف العام الماضي ولمدة أربع سنوات؟

أنا سعيدة بهذا المنصب، الذي يتيح لي فرصة أكبر لمعايشة هموم المرأة العربية وآمالها وتطلعاتها، والسعي الجاد لحل المشكلات أو التقليل منها قدر الإمكان، من خلال تعديل التشريعات وتغيير العادات والتقاليد السلبية الظالمة للمرأة، ولهذا نعمل من خلال خطة شاملة للقيام بأنشطة إقليمية، ومساندة كل الدول العربية التي وثق ممثلوها في شخصيتي واختاروني لهذا المنصب، حيث أجمعوا على أنه تتوافر عندي المقومات الثلاثة المنصوص عليها للترشّح للمنصب، وهي: خبرة علمية متقدمة جداً، خبرة في التعاون الدولي، وخبرة في قضايا المرأة، ولعل هذا ما شجع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة في لبنان على المبادرة الى ترشيحي بالإجماع، وتبنّت وزارتا الخارجية والمغتربين وشؤون المرأة دعم هذا الترشيح، وتم تنظيم لقاءات جمعتني مع البعثات العربية في لبنان.

– تتفاوت الأولويات في ما يتعلق بقضايا المرأة من دولة عربية لأخرى، فماذا تفعلون؟

لدينا دراسات شاملة عن وضع المرأة في كل بلد عربي، ونعرف اختلاف الأولويات من دولة لأخرى، ونحاول التعاون مع المؤسسات الرسمية المهتمة بقضايا المرأة في كل دولة في ضوء احتياجاتها، فمثلاً موضوع التربية والتمكين الاقتصادي ومحاربة الفقر والأمّية من أولويات الكثير من الدول العربية، باستثناء دول الخليج. كما أن احتياجات ومشكلات المرأة في منطق الصراع أو الدول الخارجة من نزاعات مسلّحة تعاني نزوحاً وفقراً كما الحال في سورية. أما اليمن وليبيا والعراق فلهاأولويات مختلفة، بسبب تراجع معدلات التنمية وانتشار الفقر والبطالة وكثرة اللاجئين، سواء الدول المحيطة بها أو حتى ممن يعانون في الداخل، ونحاول التواصل مع المسؤولين في تلك الدول، لتقديم ما يحتاجون إليه في ضوء إمكانات المنظمة، لأن الحروب دفعتنا إلى وضع سلّم أولويات لتلبية الاحتياجات الملحّة والجديدة، وكذلك المساعدة في نشر الأمن والسلام في ربوع الدول العربية، لأن النزاعات المسلّحة والحروب تولّد مآسي تطاول النساء والفتيات والأطفال.

– ما دمت تتحدثين عن المرأة في مناطق الصراع، ماذا عن المرأة الفلسطينية التي تعيش في مناطق الاحتلال؟

بدايةً، أودّ تقديم كل التحية والتقدير لتضحيات المرأة الفلسطينية، التي ضربت أروع النماذج في البطولة والصبر وقوة التحمّل، حيث فقدت الكثيرات أزواجهن وأولادهن وآباءهن وأشقاءهن، ما بين شهيد وأسير، ومع هذا تقوم المرأة الفلسطينية بدورها في مقاومة الاحتلال وغرس الإيمان بالقضية الفلسطينية في نفوس الأجيال بشكل لا مثيل له، رغم محاولات إسرائيل طمس الهوية العربية للشعب الفلسطيني، ونحن على تواصل مع المنظمات النسائية الفلسطينية لتلبية احتياجاتها، وجعل باقي الدول العربية تتعايش مع ما يجري على الأرض الفلسطينية، خاصة أن فلسطين من الدول المشاركة في المنظمة، وبالتالي نطّلع على التطورات أولاً بأول من داخل فلسطين نفسها.

– ما زالت هناك بعض الدول خارج المنظمة التي تضم 16 دولة فقط، فماذا تفعلين لاكتمال المنظومة العربية النسائية؟

من النقاط الرئيسة التي تضمّنها برنامجي العملي في قيادة المنظمة، إجراء اتصالات مع الدول العربية التي ما زالت خارج المنظمة لحضّها على الانتساب إليها، وعندي أمل كبير في استجابة هذه الدول للانضمام معنا إلى المنظمة أو التعاون الموقت معها بشكل ما، وكما يقال “ما لا يُدرك كله لا يُترك كله”، لكننا نسعد بانضمام كل الدول العربية وإعداد برنامج شراكة عربية وإقليمية لكل ما يهمّ المرأة، والوصول إلى مختلف شرائح المجتمع كله، لا سيما فئة الشباب منه.

– بمناسبة الحديث عن فئة الشباب، فقد شهدت القمة الأخيرة للمنظمة في سلطنة عمان، للمرة الأولى، دعوة الشباب العربي للحضور وإجراء بحوث، فما هي مبررات هذا التطور في فكر القائمين على المنظمة؟

نحن نؤمن بأن المرأة العربية لا تعيش وحدها في مجتمعاتنا العربية، بل إنها شريك للرجل في الأسرة، كأخت وزوجة وابنة وأمّ وعمّة وخالة وجدّة، فضلاً عن مشاركتها الرجل في العمل ومختلف الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، ولهذا لا يُعقل أن تكون مؤتمرات المنظمة خاصة بالمرأة فقط، من دون مشاركة شريكها في الحياة والمجتمع. ولهذا يجب أن يكون الشباب على وعي كامل بمشكلات المرأة، ويساندوها في حلّها وتصحيح الصورة المغلوطة عنها، ومقاومة التقاليد والعادات الظالمة. ولهذا فإننا نهدف إلى توعية الرجال ليكونوا على علم ووعي بقضايا المرأة، ويتحوّلوا إلى سند لها.

– يعدّ التمكين الشامل للمرأة في مختلف مجالات الحياة أحد الأهداف لكل المنظمات النسائية، فكيف يتحقق ذلك من وجهة نظرك باعتبارك تقودين منظمة المرأة العربية؟

لا بد من أن أوضح أن “تمكين المرأة” ليس معناه استبعاد الرجل، كما يروج البعض، وإنما التمكين الحقيقي الذي نقصده هو إنصاف المرأة ومساعدتها لإثبات ذاتها، وتعامل المجتمع معها كإنسان مثل الرجل، في إطار من التكامل وليس الصراع. وهذا التمكين يتطلب إعداد دراسات تطبيقية عن المرحلة السابقة ومشكلاتها والحلول المقترحة، وإيجاد قاعدة معلوماتية تساعد على تعزيز نشاطات تمكين المرأة، من خلال تطوير التشريعات وتبادل الخبرات بين الدول الأعضاء، ووضع برامج العمل والاستراتيجيات الوطنية لتمكين المرأة، وهنا يبرز دور منظمة المرأة العربية لتكون “جسر التعاون والتفاهم” بين جميع الأطراف، مما يساهم في تحسين صورة المرأة العربية، ويخلق فرصاً للتعاون بين الدول العربية والمجتمعات الغربية، انطلاقاً من أجندة عربية وضعها العرب أنفسهم. ومما يؤكد اهتمامنا بقضية التمكين، أن المؤتمر الأخير للمنظمة، الذي عُقد في كانون الأول/ديسمبر الماضي في سلطنة عمان، كان تحت شعار “التمكين الاقتصادي للمرأة وتعزيز قيم السلام والعدالة والمواطنة”.

– من أولويات المنظمة “مساعدة المرأة على تعلّم مهنة للعيش الكريم”، فكيف ترون تحقيق ذلك؟

هناك آراء عدة لتحقيق ذلك، في ظل بعض الاختلافات والتناقضات بين الدول العربية، من هذه الآراء إنشاء “أكاديمية عربية لتدريب المرأة العربية” وتكون لها فروع في مختلف الدول، وهي فكرة لمشروع طموح يعطي فرصة لتنفيذ أفكار عدة موحّدة لتطوير أوضاع المرأة العربية، وكل الآراء قيد البحث والدراسة، ونتمنى أن ننفّذها بحسب أهميتها، وأحلم بأن أساهم مع السيدات العربيات في لعب دور فاعل وإيجابي في تطور مجتمعاتنا العربية وتحقيق ازدهارها، والعمل على إدماج قضايا المرأة ضمن أولويات سياسات التنمية الشاملة في الدول الأعضاء.

– تؤكدين أن هناك خمس محطات مهمة في حياتك، فما هي؟

المحطة الأولى هي الازدواجية في المسار بين الريف والمدينة، وكذلك بين التعليم الخاص والتعليم الرسمي، فأنا عشت في المدينة لكنني لم أفقد صلتي بالجبل. والأمر نفسه في الجامعة، إذ تعلّمت في جامعة القديس يوسف وكلية التربية في الجامعة اللبنانية في الوقت نفسه، وتنقّلت بين بيئتين ثقافيتين مختلفتين، أما المحطة الثانية فهي الالتزام السياسي، فقد اندفعت مبكراً إلى الاهتمام بالسياسة في مناخ عائلي واجتماعي مهتم بالسياسة، وانخرطت في سنّ السادسة عشرة في حزب “الكتلة الوطنية”، لكن من موقع نقدي إصلاحي بصورة عامة. والمحطة الثالثة في حياتي هي الانصراف إلى العمل المهني، حيث ترافق عملي الأكاديمي لفترات متقطعة مع عمل استشاري في الدولة. أما المحطة الرابعة فهي الاهتمام بالقضية الاجتماعية، وهي ليست فقط قضية الفقراء والمعوزين، بل قضية الأمان والكرامة الإنسانية. وأخيراً المحطة الخامسة كانت العمل في قضايا المرأة، وقد لاحظت من هذه التجربة نسبة العنف المخيفة بحق المرأة، وغياب المساواة في الفرص والملكية والاعتبار والتوزيع بين المرأة والرجل، لهذا عملت في إطار الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، وفي إطار الحركة النسائية التي يقودها المجلس النسائي اللبناني، في خدمة حقوق المرأة العربية قبل كل شيء، لأن قضية المرأة تسكن وجداني، والتمييز بحقها يؤلمني.

– تعترفين بأنك كنت متمردة في مرحلة ما من حياتك، فما الذي جعلك تقولين ذلك؟

هذا اعتراف بأنني كنت متمرِّدة أثناء فترة المراهقة، التي تعد مرحلة إثبات الذات، والاستقلال عن الأسرة التي تعبت معي كثيراً، لأنني كنت حادّة الطباع، وهذا التمرد خلق عندي إحساساً بالمرارة، فأشعر كم صبروا في مرحلة كنت في ثورة شاملة ضد كل ما يقولونه، ومما زاد إحساسي بالمرارة أن هذا التمرد حدث في ظل ظروف الحرب التي فُرِضت علينا، وكنت أرفض التقوقع والحياة السهلة، وأبحث عن الحياة التي تحتوي على قهر للذات.

– هل أفادتك دراستك وتدريسك للعلوم السياسية في عملك النسائي؟

بالتأكيد، حيث خلق لديَّ وعياً بمختلف القضايا الدولية المطروحة على الساحة، وتداعياتها على المرأة، ومحاولة التقليل من سلبياتها وتعظيم إيجابياتها، وتعلّمت من السياسة أنك إذا خُيِّرت بين شرّين أن تختار الأقل ضرراً. كما تعلّمت منها تغيير طباعي الشخصية للأفضل، فمثلاً ليس طبعي المهادنة وتدوير الزوايا، لكنني تعلّمت المهادنة والبحث عن المُمكن مهما كانت المرارة والمتاعب، وبالتالي تعلّمت الصبر والمثابرة والتأنّي. وكان حلم حياتي أن أعمل سفيرة، وعندما عرض عليَّ هذا المنصب، وأنا أعمل في قضايا المرأة، فضّلت الاستمرار في هذا الميدان، الذي يفيد الناس أكثر من العمل الديبلوماسي، وقد أفادني ذلك في الاهتمام أولاً بحقوق الإنسان، ومنها انطلقت إلى حقوق المرأة، وأيقنت أن هناك ظُلماً كبيراً للمرأة في مختلف جوانب حياتها، ولهذا جعلت من نفسي جندياً يدافع عن حقوقها، وأدركت ما توصل إليه جان بول سارتر، حين وصف المرأة بأنها “نصف ضحية ونصف متواطئة”، لأن المرأة في النهاية هي مربّية الرجال الذين تعاني من ظلمهم لها، فلو ربّتهم كما يجب لما ظلموها.

– يصفك من يتعامل معك بأنك “امرأة ذات إرادة حديدية”، فما الذي جعلهم يلقّبونك بذلك؟

ربما لأنني أرفض الانكسار، وكل تعثر في حياتي أحوّله إلى نجاح، وكل صفعة أتلقّاها تقوّيني، وأعود وأقف لوجود تحدٍ داخلي بألا أنكسِر، وهناك ظروف صعبة جداً وصلت فيها إلى الصفر، لكنني عاودت الوقوف والصعود أكثر قوةً، وهذه نعمة من الله أن منحني الثقة بنفسي وقوة الإرادة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى