زعم علماء أن جزءا متحجرا من جمجمة، عثر عليه في كهف بجنوب اليونان ربما يمثل أقدم علامة على انتقال الجنس البشري الحديث، أو الإنسان العاقل خارج أفريقيا، الأمر الذي يعني إعادة كتابة فصل رئيسي من حكاية الإنسان والتاريخ.
وقدر العلماء عمر بقايا الجمجمة المتحجرة، التي عثر عليها في كهف “أبيديما” في شبه جزيرة ماني جنوبي بيلوبونيز في اليونان، بحوالي 210 آلاف عام على الأقل، مما يعني أن الجنس البشري الحديث أو الإنسان العاقل بدأ بمغادرة أفريقيا في وقت أبكر مما كان يعتقد سابقا.
ويعتبر هذا الجزء من جمجمة الإنسان العاقل أقدم من أي أثر لإنسان الحديث في أوروبا، حيث يعتقد أنه وصل إلى أوروبا منذ أكثر من 160 ألف سنة، أي أن جزء الجمجمة الذي عثر عليه مؤخرا أقدم بنحو 50 ألف سنة.
وبحسب دراسة نشرت في مجلة “نيتشر” مؤخرا، قال العلماء إنهم أثبتوا أنها تنتمي إلى الإنسان العاقل، وذلك بعد مقارنة شكلها مع شكل أحافير أخرى لجماجم مختلفة الأصل.
وقالت مديرة علم الحفريات القديمة بجامعة توبنغن في ألمانيا كاترينا هارفاتي إن الجمجمة كشفت أن بعض البشر المعاصرين على الأقل غادروا أفريقيا في وقت أبكر بكثير مما كان يعتقد سابقا ووصلوا إلى مناطق أبعد جغرافيا من أجل الاستقرار، مثل أوروبا.
يشار إلى أن الهجرات الجماعية إلى خارج أفريقيا بدأت قبل 70 ألف سنة، الأمر الذي يعني أنه سبقته هجرات متفاوتة وربما فردية أو استكشافية، كما يدل على ذلك هذا الجزء من الجمجمة الذي عثر عليه في اليونان.
لا أحد يعرف ماذا حدث بالضبط لرواد الإنسان العاقل، الذين تمثلهم هذه الجمجمة المتحجرة، لكن من الواضح أن أيا من ذريتهم لم تعد تعيش في هذه الأيام، وربما كانت لواحد من عديدين ممن غادروا أفريقيا وماتوا قبل فترة طويلة من الهجرة الجماعيةللبشر من أفريقيا.
وقالت هارفاتي: “تشير نتائجنا إلى أن التشتت المبكر للإنسان العاقل من أفريقيا حدث في وقت أبكر مما كان يعتقد سابقا، قبل 200 ألف عام مضت.. نحن نرى أدلة على عمليات تشتت بشرية، لا تقتصر على نزوح واحد كبير من أفريقيا”.
غير أن بعض الباحثين شككوا بانتماء هذه الجمجمة للإنسان العاقل، حيث كشف بعضهم في تصريح لصحيفة الغارديان البريطانية، وعبروا عن مخاوف بشأن إجراء عملية التأريخ، مشيرين إلى أن ارتكاب خطأ في هذا المجال يمكن أن يؤدي إلى تقويض “الرواية الأصلية” التي يعتقد بها العلماء.
تشكيك في التأريخ
ويشكك بعض العلماء بطريقة حساب عمر الجمجمة البشرية وبالنتائج المترتبة عليها، ويدعون لمزيد من الأدلة والإثباتات القطعية.
فقد قال الباحث في مركز بيركلي للجيولوجيا في كاليفورنيا وارن شارب إن اختبارات الفريق على الجمجمة البشرية المفترض أنها حديثة، بحسب الدراسة التي نشرت في مجلة “نيتشر” أنتجت تواريخ مختلفة تماما، في إشارة إلى أن اليورانيوم المشعربما فقد من العظام مع مرور الوقت.
وأضاف شارب “إذا كان الأمر كذلك، فإن العمر المحسوب للجمجمة المتحجرة قديم جدا، وعمره الحقيقي غير معروف، مما يثير التساؤل حول فرضية الورقة البحثية”.
من ناحيته، قال عالم الأنثروبولوجيا الإسباني خوان لويس أرسواجا إنه غير مقتنع بأن الجمجمة تعود للإنسان الحديث المبكر، وقال “الجمجمة المتحجرة التي عثر عليها مجزأة وغير مكتملة لمثل هذا الادعاء القوي.. وفي العلوم تتطلب الادعاءات الاستثنائية أدلة غير عادية. فهذا الجزء من الجمجمة يفتقر إلى القاعدة القحفية والوجه بأكمله.. باعتقادي هذه لا تشكل دليلا استثنائيا”.
أما عالم الحفريات في جامعة ويسكونسن – ماديسون جون هوكس فقد أعرب عن شكوك مماثلة، وقال “هل يمكننا حقا استخدام جزء صغير من الجمجمة مثل هذا للتعرف على جنسنا؟”
وأضاف “القصة في هذه الدراسة هي أن الجمجمة هي أقرب إلى منطقة الظهر، مع جوانب من الرأس، مما يجعلها مشابهة للإنسان الحديث. أعتقد أنه لا ينبغي لنا أن نفترض أن جزءا صغيرا من الهيكل العظمي يمكن أن يسرد القصة بأكملها أو يعيد كتابتها من جديد”.
وبصرف النظر عن آراء العلماء المعارضين أو المشككين، فإنه أذ تأكدت صحة “تأريخ” هذه الجمجمة، فهذا يعني أنه إذا غادر بعض البشر المعاصرين الأوائل على الأقل أفريقيا منذ ما يزيد على 210 آلاف عام، فربما استقروا في البداية في بلاد الشام قبل أن يتوسعوا غربا إلى أوروبا، التي كانت في ذلك الوقت موطنا لإنسان نياندرتال.