حفل استقبال بمناسبة العيد الوطني الفرنسي… السفير الفرنسي: السلام والاستقرار الدوليان عرضة للتهديد المستمر ووحده احترام سياسة النأي بالنفس يتيح للبنان البقاء بمنأى عن النفس
أقام السفير الفرنسي برونو فوشيه، حفل استقبال بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، في قصر الصنوبر، حضره ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري الدكتور محمود بري، ممثل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وزير الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات عادل أفيوني، الرؤساء: أمين الجميل، ميشال سليمان، وحسين الحسيني، وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن، وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان، ممثلة وزير الخارجية والبلديات جبران باسيل السفيرة نجلا عساكر، النواب: هنري حلو، ياسين جابر، ميشال معوض، علي عسيران وهنري شديد، سفراء: الاتحاد الأوروبي، اليونان، رومانيا، إيطاليا، السعودية، فلسطين، صربيا، إسبانيا، العراق، المغرب، ألمانيا، الجزائر، والسفير البابوي جوزف سبيتري، الوزراء السابقون: آلان حكيم، سليم الصايغ، وليد الداعوق وزياد بارود، رئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد، المطارنة بولس مطر، إلياس عودة، سلوان موسي، جورج بقعوني وجورج قصارجي، مفتي الشمال مالك الشعار، الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار، رئيس الجامعة اليسوعية الأب سليم دكاش وحشد من الشخصيات.
فوشيه بداية مع النشيدين الوطني والفرنسي، أدتهما جوقة الجامعة الأنطونية بقيادة الأب توفيق معتوق، وعزفتهما فرقة موسيقى قوى الأمن الداخلي، ثم ألقى السفير الفرنسي.
وألقى فوشيه كلمة، استهلها بالقول: “أنا سعيد جدا لاستقبالكم هذا المساء في قصر الصنوبر، هذا المكان الحافل بالذكريات التاريخية، حيث يطيب للفرنسيين واللبنانيين الالتقاء للاحتفاء بالصداقة القديمة التي تجمعهم.
وقال : ” أنا سعيد لاستقبالكم هنا للمرة الثالثة على التوالي، منذ وصولي إلى لبنان، في يوم العيد الوطني الفرنسي في 14 تموز، هذا التاريخ الذي يذكرنا، كل سنة، بضرورة أن نناضل من دون هوادة للدفاع عن القيم الثلاثة الأساسية في جمهوريتنا، التي غالباً ما تتعرض للانتهاك في العالم المعاصر، عنيت بذلك الحرية والمساواة والأخوة
أضاف : ” إن التحديات التي تواجهنا كلنا اليوم، على الصعيدين الداخلي والدولي، تزايدت خلال العام المنصرم، كما وأن قيم الانفتاح والاستقبال، التي تتميز بها مبدئيا الديمقراطيات دون سواها، تصطدم اليوم بالنزعة المتنامية نحو التقوقع على الذات، إن هذه القيم تتعرض للحط من شأنها من جانب الشعبويين من كافة المذاهب والمشارب، الذين يريدون أن يقنعوا الشعوب بأنه من الممكن أن يدافع المرء عن مصالحه من دون مراعاة مصالح الآخرين، أما السلام والاستقرار الدوليان، فهما عرضة للتهديد المستمر، وهذا الأمر يعرفه جيدا الشرق الأوسط بما أنه شهد، ولا يزال العديد من النزاعات، والواقع أن الأمر الوحيد الذي من الممكن أن يمنع الانزلاق المميت نحو دوامة لا نهاية لها هو العودة إلى الحوار وممارسة ضبط النفس.
والرئيس ماكرون سيستضيف، من هذا المنظار نفسه، منتدى باريس للسلام، في دورته الثانية، في الخريف المقبل، من أجل التفكير معاً، ومع المجتمع المدني بحلول عملية لنتمكن جميعاً من مواصلة العيش معاً.
وتابع: ” في هذا السياق الصعب، تمكن لبنان من الحفاظ على وحدته واستقراره وانفتاحه على العالم. وهذا ليس بالأمر اليسير، وحده احترام سياسة النأي بالنفس يتيح للبنان البقاء بمنأى عن النزاعات، لا سيما النزاع المتأجج منذ أكثر من ثماني سنوات في سوريا المجاورة”.
على الصعيد الأمني، قال: “منذ بضع سنوات، تمكنت القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي اللبنانية، التي أحيي استعدادها الدائم في كل لحظة، من الدفاع عن لبنان في وجه أعمال العنف الخارجية والتهديد الإرهابي، أنا لا أنسى الهجوم الذي استهدف مؤخراً مدينة طرابلس، أود هنا أن أحيي ذكرى العسكريين ورجال الشرطة الأربعة الذين دفعوا حياتهم ثمناً لإيقاف هذا الهجوم والدفاع عن المواطنين، لقد كان هذا الاعتداء الشائن محدوداً ومحدد الهدف، ويجب ألا يتسبب بنسيان مستوى الأمن المرتفع الذي تتمتع به البلاد منذ العملية، التي شنت في صيف العام 2017 في الجزء الشمالي- الشرقي منها “.
على الصعيدين الإنساني والاجتماعي، قال: “لقد استقبل لبنان، بسخاء كبير وبدعم دولي مؤكد، عدداً كبيراً جدا من اللاجئين السوريين الذين هربوا من الحرب وأعمال العنف، هم بغالبيتهم يودون العودة إلى بلادهم ويجب ألا يتم ثنيهم عن ذلك، غير أن الأكثرية العظمى منهم لا تفكر بهذه العودة على المدى القريبن، لماذا؟ لأنها تخشى، بكل بساطة، ألا يكون أمنها مضمونا في سوريا، إن فرنسا، والدول الأخرى التي تدعم لبنان لمواجهة هذه الأزمة، ترغب هي أيضاً في أن يتمكن اللاجئون السوريون من العودة إلى بلادهم، لكننا نعتقد أن مفتاح هذه العودة موجود في دمشق، غير أن دمشق لم تبد في العام الفائت رغبة حقيقية بتسهيل هذا الأمر، لقد رفضت أن تتخذ الحد الأدنى من إجراءات الثقة، أنا لا أخفي عنكم قلقي، وهو أيضاً قلق الأسرة الدولية، إزاء خطابات الكراهية والرفض التي تتزايد ضد اللاجئين، فإن أحداً لم يحل أية مشكلة، مهما كانت حساسة، بإذكاء العنف وتأجيج الانقسامات، لبنان يتشرف إذ يجسد الانفتاح، والمجتمع الدولي سيبقى بجانبه، كلما اقتضت الحاجة، لمساعدته على مواصلة مواجهة هذا الوضع الذي يجب ألا يدوم إلى الأبد”.
على الصعيد السياسي، قال: “لقد شكل لبنان، في أواخر شهر كانون الثاني الماضي، حكومة سرعان ما انطلقت “إلى العمل”، وهي التسمية التي أطلقتها هي على نفسها، من أجل التعويض عن الأشهر الضائعة في العام 2018، وتم اعتماد أو الشروع باتخاذ أولى التدابير الهامة في مجال الإصلاح، لا سيما في قطاع الكهرباء، كما وأنه من المتوقع أن يتم التصويت قريباً في مجلس النواب على موازنة العام 2019، التي تلحظ تخفيضاً لعجز الموازنة وتعكس مسار الإنفاق العام.
أردف قائلاً: ” نحن نأمل أن يتم وضع هذه الموازنة موضع التنفيذ فعلى هذا الأمر تتوقف قدرة لبنان على سلوك طريق النمو مجدداً والتصدي لآفة الدين التي تثقل كاهل الأجيال المقبلة، ومن المتوقع أن تبدأ قريباً المناقشات المتعلقة بصياغة موازنة العام 2020 ، نأمل أن تشكل فرصة للتقدم أكثر بكثير على طريق تنفيذ الخطوات الإصلاحية، التي ينتظرها جميع اللبنانيين” .
أضاف: “بما أنني أتطرق إلى الإصلاحات، إسمحوا لي أن أعبر لكم عن قناعتي الراسخة التي هي أيضا قناعة السلطات في بلادي، لا بل أعتقد أنه بإمكاني القول أيضاً إنها قناعة أصدقاء لبنان جميعهم : إن هذه الإصلاحات هي الطريق الوحيد الذي يجب السير فيه لكي يتطلع لبنان بكل ثقة نحو المستقبل والتنمية والحداثة والفعالية، الطريق الوحيد لكي تتولد لدى الشباب اللبناني، وهو شباب مثقف وموهوب للغاية ويتقن العديد من اللغات، رغبة في البقاء هنا، أو في العودة إلى هنا، ليضع مؤهلاته وطاقاته في خدمة وطنه، الطريق الوحيد لكي تقوم الشركات الأجنبية، وفي طليعتها الشركات الفرنسية، بالاستثمار في هذا البلد، وأخيرا الطريق الوحيد لكي يبعد لبنان نهائيا شبح الأزمة الاقتصادية، التي كثيرا ما أثارت المخاوف، وكثيرا أيضا ما تم تجنبها بأعجوبة”.
وتابع: “إن شركاء لبنان، ولا سيما فرنسا، الذين اجتمعوا في باريس في شهر نيسان الماضي في إطار مؤتمر “سيدر”، عبروا أبلغ تعبير عن الدعم الذين هم مستعدون لتقديمه للبنان من أجل مواكبته في طريق الإصلاح، ومقاربة مؤتمر “سيدر” تقوم على الشراكة بين لبنان والمجتمع الدولي، هي شراكة تظللها النوايا الطيبة ولكنها أيضا شراكة متطلبة. فمن أجل وضعها موضع التنفيذ، من الضروري أن تسود أقصى درجات الثقة بين الطرفين، غير أن هذه الثقة لا تتغذى إلا بالإجراءات الملموسة وبالأعمال التي تنم عن تصميم لا يتزعزع، إن الوضع الاقتصادي الحالي، الذي هو وضع صعب، يتطلب خطوات حاسمة من جانب لبنان للتصدي فورا، ومن دون أي انتظار، للمشاكل القديمة والعميقة التي يعاني منها هذا الاقتصاد، إن التسويات وأنصاف التدابير لم تعد متاحة، كما تعلمون، إن الرئيس ماكرون هو وراء انعقاد مؤتمر “سيدر” كما أنه لم يأل جهدا من أجل إنجاح مؤتمر “روما-2″ لدعم القوى الأمنية اللبنانية، ويهمه جدا نجاح هذين المسارين، لا سيما أنهما يشكلان ضمانة للبنان القوي والمزدهر. ونحن نعمل بشكل دؤوب مع السلطات اللبنانية لتحقيق ذلك”.
في المجال الأمني، قال: “لفرنسا طموحات عالية من أجل لبنان. كما قلت في مقدمة كلمتي، تلعب قوات الأمن اللبنانية دورا أساسيا للحفاظ على استقرار البلد وللتأكيد على سيادته واستقلاله، قدمت فرنسا في روما عرضا لفتح خط ائتماني بقيمة 400 مليون يورو، الهدف منه هو إنشاء قوة بحرية لبنانية حقيقية قادرة على قيادة ما نسميه عمل الدولة في البحر، وبشكل خاص في المنطقة الاقتصادية الخالصة، التي تحتوي على ثروات لم يتم اكتشافها بعد”، داعيا إلى “وضع اللمسات الأخيرة سريعا على هذا المشروع، الذي يندرج في إطار شراكة قديمة العهد وقائمة على تبادلات متواصلة وعلى تعاون كثيف، على صورة التمرين البحري “الأرزة الزرقاء” الذي نفذ مؤخرا بمشاركة ناقلة المروحيات الفرنسية “Dixmude” والفرقاطة “Guépratte” و1200 عسكري لبناني وفرنسي، في الأمس، رست فرقاطة “Aconit” في مرفأ بيروت. إنها المرة الثامنة والعشرين، منذ 2015، التي تصل فيها سفينة فرنسية إلى لبنان، إنني أحيي وجود عناصر طاقمها وقائدها بيننا هذا المساء”.
أضاف: “هذه الأرقام تتحدث عن نفسها، وتعبر عن قوة التعاون في مجال الدفاع مع لبنان – وهو شريك مهم لفرنسا في الجهة الشرقية من المتوسط – إذا ما أضيفت إليها التجهيزات المقدمة وكذلك التعاون الحاصل في مجالات متعددة وحساسة، يجب ألا ننسى المشاركة المهمة لفرنسا في قوات اليونيفيل، إنني أحيي وجود ممثلين عن الكتيبة الفرنسية، التي تضم ما يقارب 700 عنصرا، بيننا هذا المساء.
يتمتع جنوب لبنان بدرجة عالية من الاستقرار منذ 13 عاما، أي منذ تعزيز قوات اليونيفيل المنتشرة في المنطقة، مؤازرة للقوات المسلحة اللبنانية، غداة النزاع الدموي، الذي وقع في صيف 2006، اسمحوا لي أن أحيي الدور الحاسم الذي تؤديه قوات اليونيفيل للتخفيف من التوترات، التي تبرز من وقت إلى آخر في المنطقة، نأمل أن يتم إحراز تقدم في الأشهر المقبلة في مسألة ترسيم الحدود البحرية والبرية في الجنوب.
سيشكل ذلك رسالة سلام قوية في منطقة تسودها توترات كبيرة، وتابع: “أود أن أنهي برسالة أمل وثقة إلى الشباب اللبناني. هذا الشباب الذي يتمتع بمستوى عال من التحصيل العلمي وبقدرة إبداعية وبروح المبادرة بشكل مذهل، ويتميز بإتقانه العديد من اللغات، هذا الشباب هو خزان نمو لبنان الغد! لديكم في لبنان إمكانية الحصول على مستوى عال من التعليم.
ساهمت فرنسا في ذلك بشكل كبير، منذ القدم، وسنواصل القيام بذلك، ليس فقط من أجل السماح للبنان باستقبال العدد الأكبر من التلاميذ في مدارسه الرسمية، إنما أيضا من أجل تحسين الجودة في النظام التربوي، الخاص والرسمي على السواء، خصوصا في القسم الفرنكفوني، نقوم بذلك عبر وكالة التنمية الفرنسية التي تزيد من مشاريعها التي تصب في هذا الاتجاه، نقوم بذلك أيضا من خلال مساهماتنا متعددة الأطراف التي سمحت بشكل خاص بإطلاق برنامج واسع في سنة 2019، وبفضل وزارة التربية، يهدف إلى الارتقاء بمستوى القسم الفرنكفوني، الذي كان معرضا بشكل كبير في السنوات الماضية للتراجع، ولا يمكن تقويته بشكل فعلي، إلا من خلال إصلاح المناهج والامتحانات التي هي، في وضعها الحالي، غير مؤاتية للقسم الفرنكفوني”.
وأردف: “كما نقوم بذلك عبر وكالة التعليم الفرنسي في الخارج: في لبنان، هناك أكثر من 60000 تلميذ ملتحقين بمدراس تتبع النظام الفرنسي التربوي ـ هذا رقم قياسي عالميا، مما يعكس الامتياز ما نقدمه على المستوى التربوي، وكذلك ترسخ اللغة الفرنسية في لبنان.
إننا ننوي مضاعفة هذا العدد بحلول 2030. يسعدني أن أعلن في هذا الإطار أن العديد من المدراس سوف تنضم إلى شبكتنا مع بداية السنة الدراسية المقبلة. يجب ألا ننسى التعليم العالي.
وإذ نواصل دعمنا للجامعات في لبنان، نأمل باستقبال عدد أكبر من الطلاب اللبنانيين في فرنسا. أريد أن أذكر بأن 40% من الطلاب اللبنانيين في الخارج اختاروا فرنسا، أريد أن أذكر بأن 40% من الطلاب اللبنانيين في الخارج اختاروا فرنسا، فهي بلد الاستقبال الأول بالنسبة إليهم. على الرغم من ارتفاع الرسوم الجامعية – تم التحدث كثيرا عن هذا الأمر – والتي تبقى مع ذلك مقبولة، لا تنفك هذه الحركة تزداد زخما.
أود أن ألفت انتباهكم إلى القرار الفرنسي لتوسيع إمكانية منح بطاقات إقامة خلال السنوات الأربعة، التي تلي حصول الطالب على شهادة ماجستير، من شأن هذا القرار أن يسهل السفر ذهابا وإيابا بين فرنسا ولبنان، وهذا هو هدفنا المشترك، نقوم بكل ذلك من أجل لبنان، وأيضا من أجل فرنسا: لتجديد العلاقات الإنسانية بين فرنسا ولبنان، هذه العلاقات التي تنسج في المدارس وفي الجامعات ومن خلال شبكات القدامى.
هذه العلاقات التي تشكل إسمنت العلاقة الفريدة من نوعها التي تجمع بلدينا”. وأكد أنه “في هذه الأزمنة الدقيقة، على المستويين الاقتصادي والإقليمي، يمكن للبنان الاعتماد على فرنسا، فرنسا هي أيضا تعتمد على لبنان من أجل قيادة المشاريع التي تم إطلاقها معا نحو بر الأمان.
علاقتنا الوطيدة والحميمة، إنما تشكل عنصر استقرار وتنمية لا يقدر بأي ثمن”. وخاطب الحضور بالقول: “أشكركم جميعا أيها الحاضرون، من مسؤولين ونواب وأصحاب مبادرة وجمعيات ومواطنين، ناطقين باللغة الفرنسية أو محبين لفرنسا، أشكركم لإبقائكم هذه العلاقة حية”، شاكرا “الفرقة الموسيقية التابعة لقوى الأمن الداخلي، بقيادة العقيد أنطوان نعمة، وكذلك الأب توفيق معتوق وجوقة الجامعة الأنطونية لأدائها الرائع للنشيدين اللبناني والفرنسي”، موجها التحية ل”ذكرى مدير المعهد العالي للأعمال، السيد ستيفان أتالي، الذي غادرنا مؤخرا، كان ستيفان شخصا استثنائيا ومعطاء بشكل غير محدود، إنّ العلاقة اللبنانية – الفرنسية تدين له بالكثير، وختم “عاشت فرنسا، عاش لبنان، عاشت العلاقة الفرنسية – اللبنانية”.
محمد درويش