900 كيلو جرام من الحرير وخيوط الذهب والفضة.. هكذا تصنع كسوة الكعبة المشرفة
عندما يطوف عبد الله خالد جاسم وولده تركي بالكعبة المشرفة وهما يرنوان إلى البيت العتيق فإنهما، بخلاف كثيرين، يميزان بسهولة الكلمات المتداخلة المنقوشة على كسوة الكعبة، إذ انكبا لنحو عشرة أشهر على كتابتها مع حوالي 170 عاملاً في مكة المكرمة، أقدس بقاع الإسلام.
يعمل الاثنان في مهنة يرجع تاريخها إلى ما قبل الإسلام، سقاها الأب لولده الذي قد يورثها بدوره إلى ابنه .
تُصنع الكسوة باستخدام 675 كيلوجرامًا من الحرير الخام الأسود للجزء الخارجي والأخضر للبطانة الداخلية، إضافة إلى 100 كيلوجرام من خيوط الفضة المطلية بماء الذهب و120 كيلوجرامًا من خيوط الفضة الخالصة، لكتابة الآيات القرآنية المنقوشة عليها، بتكلفة إجمالية تصل إلى 24 مليون ريال سعودي (6.4 مليون دولار).
لكن عبد الله وتركي لا يتوقفان كثيرًا عند تلك التفاصيل، فالمهنة التي يتقاسمانها هي في المقام الأول مبعث “فخر وابتغاء للأجر”.
يقول عبد الله (56 عاما) ويعمل في مصنع الكسوة منذ 32 عامًا “أفتخر لما أشوف شغلي على الكعبة، ممكن في ناس ما يقدروا يقرأوه، أنا أقدر أقرأه وأفتخر”.
وأخذ عبد الله على عاتقه مسئولية نقل الحرفة للأجيال الأصغر بما في ذلك ابنه الذي يعمل معه منذ خمسة أعوام.
ويقول “لما جئت تعلمت من ناس كبار في السن وصرت أورثها لأجيال ومن بينهم ولدي أنا من علمته”.
ويوضح أن العمل في بعض الأجزاء قد يستغرق ما يصل إلى شهرين قبل اكتماله لكنه لا يشعر أبدا بالملل.
وكان تركي (27 عامًا) يندهش عندما يرى صور والده في الكتب الدراسية.
ويقول “شغل فخم وأعتز به، كنت أشوف صور أبي مطبوعة في كتب المدارس وتيجي أختي الصغيرة تقول بابا بابا صورك، فأردت في يوم من الأيام أرى صورتي في أي مجلة”.
ويرغب الابن بشدة في تعلم المهنة وتمريرها إلى الأجيال الأخرى لأن من المتوقع أن يتقاعد والده بعد أربعة أعوام.
وصناعة الكسوة التي يجري تغييرها سنويا خلال موسم الحج صبيحة يوم عرفة في التاسع من ذي الحجة، هي صناعة فريدة تمتزج فيها التقنيات الحديثة والأدوات التقليدية، الوارد والمحلي، الروحي والجمالي.
تدخل الخامات المستخدمة المعامل لاختبارها أولا والتأكد من جودتها ومطابقتها للمواصفات. وفي جامعات المملكة دراسات علمية مسجلة عن عملية تصنيع الكسوة.
وكست العرب قبل الإسلام الكعبة تشريفًا وتعظيمًا لها، وعندما كساها النبي محمدصلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة في العام التاسع للهجرة أصبحت كسوتها شعيرة إسلامية يحرص عليها الخلفاء والحكام المسلمون على مر العصور.
وانتقلت مسئولية صناعة الكسوة إلى المملكة بعد أن ظلت تقليدا مصريًا لقرون. وفي مصنع إنتاج الكسوة في مكة يستخدم حرير وأصباغ من إيطاليا وخيوط من الفضة بعضها مطلي بماء الذهب من ألمانيا، لكن الآلات الحديثة لم تستطع حتى الآن أن تحل محل العمالة اليدوية بسبب الحرف البارز المستخدم في نقش الآيات القرآنية عليها.
ويحصل المرشحون للعمل في المصنع على تدريب عملي لستة أشهر ثم ينضمون إلى المصنع لستة أشهر أخرى من التدريب العملي والنظري علي يد أحد الخبراء أو مدير قسم