علاج أميركي واعد لكورونا: مئات ملايين الجرعات في 6 أشهر
علاج أميركي واعد لكورونا: مئات ملايين الجرعات في 6 أشهر
الولايات المتحدة الآن هي بؤرة الوباء في العالم، مع أكثر من مليون إصابة، وتوقّعات بأن يصل عدد الوفيات إلى 100 ألف، خلال عشرة أيام، أو أقلّ من ذلك. والمصير السياسي للرئيس دونالد ترامب بات مرتبطاً بمآل الوباء. هو الذي يخوض معركة التجديد لرئاسته، وذلك بسبب استهتاره بالفيروس، وتأخّره في إصدار القرارات القاضية بوقف الرحلات الجوية والعزل والتباعد الاجتماعي.
هذه الوقائع جعلت الأميركيين سبّاقين في مجال مكافحة الفيروسات والأوبئة، فهل عثروا على علاج فعّال وآمن لكوفيد19 الذي يتسبّب به فيروس الكورونا المستجدّ؟
منح دونالد ترامب موافقته الكاملة لـ”عملية سرعة الانحراف” “Operation Warp Speed”، التي يقوم بها فريق مسؤولين حكوميين وعلماء وشركات خاصة لإنتاج مئات ملايين من جرعات العلاج بحلول مطلع العام المقبل. أما الهدف المرحلي فهو إنتاج 100 مليون جرعة بحلول تشرين الثاني، وقد يبدو أنّه هدف مستحيل تحقيقه، و200 مليون جرعة بحلول شهر كانون الأول، و300 مليون جرعة بحلول شهر كانون الثاني 2021، بحسب مسؤول كبير في الإدارة الأميركية.
ثمة دواء الآن في ميدان التجربة هو (“ريمدسيفير” remdesivir) وتنتجه شركة “جايليد ساينس” (Gilead Sciences)، ومن دون المبالغة كثيراً بفعاليته في شفاء المرضى، إلا أن النتائج الأوّلية للتجارب، أظهرت أنّه حسّن من احتمالات الشفاء لدى المصابين، وقصَّر أيام المرض، تماماً كما يفعل دواء الإنفلونزا “تاميفلو” “Tamiflu” الذي يقلّل مرحلة المرض من 15 إلى 11 يوماً. فهو لا يشفي المرضى تماماً، بل يسرّع مسار الشفاء. ويقلّل “ريمدسيفير” أيضاً من نسبة الوفيات. وهو كذلك يحقّق أهدافاً مرحلية، فهو من جهة، يجنّب المرضى مضاعفات البقاء طويلاً في المستشفى، مع ما يحتمل ذلك من مخاطر لا سيما الذين يخضعون للتنفس الاصطناعي، ومن جهة أخرى، يخفّف الضغط عن الجهاز الصحي، ويوفر مزيداً من الأسرّة للمرضى.
هذا العلاج التجريبي هو من بين علاجات يجري اختبارها، لكنّه تجاوز التجربة الأولى التي سمحت له بالحصول على الترخيص الطارئ من الإدارة الفدرالية للأطعمة والأدوية (FDA) في الولايات المتحدة، لمعالجة المرضى في المستشفيات، ممن حالتهم خطيرة. ويُعتبر هذا السماح تدبيراً أدنى، وليس ترخيصاً كاملاً. ويكشف الدكتور أنتوني فوتشي (Anthony Fauci) كبير مستشاري ترامب في مجال الأوبئة أن “1090 فرداً من أنحاء العالم، شاركوا في تجربة الدواء الجديد. وهي التجربة الأولى من نوعها، من حيث النوعية في التحكّم بظروفها والكمّية من حيث عشوائيتها، وقد تكرّر إعطاء الدواء لأكثر من يوم، وتأكدت فعاليته قي التخفيف من أعراض المرض”.
كلام فوتشي يعاكس تصريحات متكرّرة له بأنّ اللقاح لن يكون جاهزاً قبل 12 إلى 18 شهراً في أحسن تقدير، في وقت أعدّت إدارة ترامب لائحة إرشادات لتخفيف الإجراءات واستئناف الحياة الاجتماعية والاقتصادية. أما ترامب، فأعطى توجيهاته الشهر الماضي إلى وزير الصحة لتسريع العثور على لقاح خلال 3 أو 4 أسابيع.
ولا ترخّص الوكالة الأميركية المختصة بالأطعمة والأدوية، لأيّ علاج بدواء جديد، قبل أن تجمع النتائج من دراسات عدة ومراجعتها ونقد الأدلة. “وقد يقتضي نشر عدد من الأبحاث المنشورة لتحديد ما هو الحاصل النهائي، من فعالية الدواء”، كما يقول الدكتور مايك رايان (Mike Ryan) المدير التنفيذي في برنامج الطوارئ التابع لمنظمة الصحة العالمية. أما الباحثة الرئيسية المسؤولة عن التجربة العيادية لهذا العلاج إليزابت كوهن (Elizabeth Cohen)، فأكدت لقناة CNN أنّ “هذا الدواء ليس نهاية المطاف”.
وعلى المستوى الحكومي يقود هذا المشروع وزير الصحة والخدمات الإنسانية أليكس آزار (Alex Azar) ووزير الدفاع مارك إسبر (Mark Esper). وسيُعيّن مدير للمشروع الأسبوع المقبل، وفقاً لمسؤول كبير في الإدارة. لكن ترامب من جهته أعلن يوم الخميس أنه هو قائد هذا المشروع رسمياً.
وتهتمّ “عملية سرعة الانحراف”، التي اختار العلماء اسمها تيمّناً بفيلم المغامرات الفضائية المشهور (Star Trek)، وهم من أشد المعجبين به، بكل التحدّيات التي تحيط بإنتاج اللقاح. ويعملون راهناً على الحلول الآيلة إلى تسريع الإنتاج، وتنظيم التوزيع، وتحديد من يحظى أولاً باللقاح.
“لن ننتظر الجواب قبل البدء بالتصنيع. سنخاطر ببدء تصنيع اللقاح، مفترضاً أنه سينجح، وإذا ما نجح، فسنعمل على تسريع الإنتاج، ونأمل بالالتزام بالجدول الزمني المطروح”، بحسب ما قال الدكتور أنتوني فوتشي، كبير الخبراء بالأمراض المُعدية، لقناة NBC الخميس الماضي، “ونريد العمل بسرعة، لكن علينا التأكّد أيضاً أن اللقاح آمن وفعّال”.
ويناقش فريق العمل جملة الأفكار المطروحة بشأن استراتيجيات التسويق التي تأمل الإدارة الأميركية أن تكون أيضاً محفّزة بما فيه الكفاية لإزاحة حتى الشكوك في اللقاح فور إتاحته للعموم. والترويج له “سيكون رائعاً”، كما قال مسؤول في الإدارة.
في العادة، يكون بطيئاً تطوير لقاح ما، وذا مخاطر عالية. وكان يفترض أن تستخدم “عملية سرعة الانحراف”، موارد الحكومة، لاختبار أكثر اللقاحات التجربيبة إيحاءً بالفعالية، ثم إطلاق تجارب عيادية على الحيوانات، ثم تجارب عيادية على البشر. واللقاح الأفضل من بينها، يخضع لتجارب أوسع. لكن رسا الخيار أخيراً على “ريمسفيدير”.
كيف يعمل هذا الدواء؟
يتدخّل في عملية تكاثر الفيروس داخل الجسم، عبر الدخول إلى الإنزيم الذي يستعمله بعض الفيروسات من أجل التكاثر، ومن ضمنها فيروس كورونا المستجدّ. ويُفضي دخول الدواء إلى الإنزيم إلى وقف تكاثر الفيروس، ومن ثَمّ إلى تخفيف الالتهاب. وهذا ما أثبته باحثون في تجربة على خلايا بشرية داخل مختبر، في شباط الماضي.
وبناء عليه، بدأت شركة “جايليد” بإنتاج الدواء قبل أن تظهر نتائج “المؤسسة الوطنية للحساسية والأمراض المعدية” (NIAID). وفي نهاية آذار كان لديها ما يكفي لعلاج 30 ألف مريض. وأعلنت الشركة أنها ستكون قادرة على إنتاج ما يكفي لعلاج مليون مصاب نهاية العام الجاري. تقديرات مبنية على افتراض أنّ المرضى سيأخذون الدواء لمدة عشرة أيام. لكن النتائج التي أصدرتها الشركة في 29 نيسان الماضي خلصت إلى أنّه يكفي العلاج لخمسة أيام فقط، ما يعني إمكانية مضاعفة عدد الذين سيتاح لهم العلاج.
“وعلى الرغم من أنّ 31 % من التحسّن لا يشبه الشفاء التام” كما يقول فوتشي، “لكن ما برهن عليه هذا الدواء أنّه يمكن سدّ الطريق أمام الفيروس”.
إلى ذلك، لم نشهد سوى وفيات قليلة من المشاركين في التجارب. لكن لا تمثّل هذه النتيجة توجّهاً نهائياً. والمهمّ الآن أنّه يقصّر فترة المرض، ما اعتبر كافياً للانتقال باكراً من التجربة إلى توفيره للمرضى. ويؤكد فوتشي أنّ “ريمسفيدير سيكون علاجاً نموذجياً لكورونا”.