رقم قياسي: تسعير الدولار بلغ 1600 ليرة.. لماذا لا يتدخل مصرف لبنان؟
تحت عنوان الصرافون “أحرار” بتسعير الدولار.. والسوق السوداء تنشط، كتبت عزة الحج حسن في “المدن”: يتساءل كُثر عن الأسباب الحقيقية التي تدفع بقطاع الصيرفة اليوم في لبنان إلى الاستئثار بتسعير الدولار مقابل الليرة. إذ أن بعض الصرافين سجل رقماً قياسياً في تسعير الدولار خلال الـ48 ساعة الماضية بلغ 1600 ليرة، ومن المرجّح استمرار صعود السعر تزامناً مع شحّ الدولار من الأسواق وارتفاع الطلب عليه.
لماذا لا يلتزم الصرّافون بسعر الصرف الرسمي للدولار المحدّد من قبل مصرف لبنان؟ ولماذا لا يفرض مصرف لبنان عليهم التزام سعر الصرف الرسمي؟ وهل من قوانين تُلزم الصرّاف على غرار المصارف باعتماد سعر الصرف الرسمي للدولار؟ أسئلة كثيرة يطرحها مواطنون وحتى رسميين، لم يكلّفوا أنفسهم عناء الإطلاع على قانون مزاولة مهنة الصيرفة.
انون تنظيم مزاولة مهنة الصرافة في لبنان لا يتضمّن نصاً واضحاً لجهة إلتزام الصراف بسعر الصرف الرسمي، بل يتعامل بموجب القانون المذكور مع العملات كسلع خاضعة لعملية العرض والطلب.
يتضمّن القانون الكثير من التفاصيل التنظيمية، لجهة التأسيس ورأس المال وطريقة الحسابات اليومية وصولاً إلى عملية بيع وشراء العملات. ويحذر بشكل واضح الصرافين من تلقي الودائع والتعامل بالتحويلات المالية وغيرها من المهام الموكلة إلى المصارف.
في لبنان 734 شركة صرافة مرخصة من المجلس المركزي لمصرف لبنان. يحق لها بحسب فئة شركة الصرافة (فئة أ أو فئة ب) شراء وبيع العملات الاجنبية مقابل أي عملة أجنبية أخرى، أو مقابل العملة اللبنانية شراء أوراق نقدية أو قطع معدنية، وشراء وبيع القطع والسبائك المعدنية والمسكوكات والتحاويل والشيكات والشيكات السياحية، ضمن سقف يحدده مصرف لبنان. وكل تلك الصلاحيات والأعمال تخضع لرقابة لجنة الرقابة على المصارف التابعة لمصرف لبنان، ولا تخضع سجلات وقيود ومحاسبة مؤسسات الصرافة لأحكام قانون سرية المصارف. من هنا يوضح نقيب الصرافين محمود مراد في حديث إلى “المدن” أن قطاع الصرافة هو سوق نقدي لا علاقة له بالمنظومة المصرفية، ويرتبط عمله بشكل أساسي بسوق العرض والطلب الذي يحكم مسار سعر العملات.
عرض وطلب
ونظراً إلى شح الدولار في الآونة الأخيرة نتيجة إجراءات اعتمدتها المصارف ومصرف لبنان لضبط عملية تسرّب الدولار، في ظل انخفاض الإحتياطات الأجنبية وتراجع مستوى الودائع، توجّه المواطنون والتجار إلى قطاع الصرافة للإستحصال على العملة الأجنبية، وتعويض النقص بالسوق. فكان بديهياً ارتفاع قيمة العملة التي تتعرض لطلب كبير. وهو ما حصل فعلاً بسعر الدولار إذ بدأ بالارتفاع تزامناً مع ارتفاع الطلب عليه من قبل موزعي المحروقات والمقاولين ومستوردي الأدوية والمواطنين وسواهم، حتى أنه بلغ 1600 ليرة مؤخراً.
ارتفاع سعر الدولار إلى مستويات قياسية دفع ببعض التجار، والمواطنين الطامحين لتحقيق أرباح، إلى الإتجار بالعملة الخضراء بشكل مباشر ومخالف للقانون. وهو ما لم يكن خافياً على مصرف لبنان ولا على لجنة الرقابة على المصارف، لاسيما بعد عرض الصرافين هذا الأمر عليها، وفق تأكيد مراد. فالصرافون تقدّموا بشكوى إلى لجنة الرقابة على المصارف يحذرون فيها من “فلتان” السوق.
وأكثر ما يثير الاستغراب هو إقدام القوى الأمنية مؤخراً على توقيف عدد من الصرافين المرخصين بتهمة صرف الدولار بغير سعره الرسمي، قبل أن يتم إخلاء سبيلهم. هذه الضغوط نقلها وفد من الصرافين إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي أعاد تأكيد قانونية عملهم وفق ما نقل مراد عنه.
“حرية” التسعير
وانطلاقاً من عدم قانونية إلزام الصرافين بالسعر الرسمي للدولار، نعود لنذكّر بحديث أحد أعضاء لجنة الرقابة على المصارف، كانت “المدن” نشرته في وقت سابق، يقول فيه أن الصرافين وإن كانوا يعملون بموجب ترخيص من مصرف لبنان، ويخضعون لرقابة لجنة الرقابة على المصارف، إلا أن القانون يجيز لهم بيع الدولار أو أي عملة أخرى بأعلى من سعرها الحقيقي. فالصراف يعمل وفق مبدأ العرض والطلب ولجنة الرقابة على المصارف ليست غافلة عن قطاع الصرافة، بل تتشدّد بالرقابة عليه. لكن لا يمكنها منع الصرافين من بيع الدولار بأعلى من سعره الحقيقي، طالما أنهم يعملون وفق ما يسمح به القانون. فعلاقة لجنة الرقابة على المصارف مع الصرافين تشمل فقط المخالفات لجهة تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب أو تسهيل تلك الجرائم أو مخالفة الصراف لجهة تلقي ودائع أو تحويلات وغيرها من الأمور التي يمنعه القانون من القيام بها.
“قانونية” التسعير
وعما إذا كان من نص قانوني يفرض على الصرافين الإلتزام بسعر الصرف الرسمي، أوضح المرجع القانوني الدكتور بول مرقص في حديث إلى “المدن”، أن إشكالية قانونية تقع بين النظام الاقتصادي الليبرالي الحر القائم على حرية القطع وحرية التحاويل والتداول من جهة، وبين مقتضيات الحفاظ على سعر الصرف والاستقرار النقدي في البلد من جهة أخرى. وطالما أنه ليس هناك من نص يمنح صراحة وعلى نحو مباشر هامش ربحي للصرافين، نعود إلى الأصل وإلى المبدأ القاضي بحرية القطع وحرية التداول.
سلامة والدولار
وبالعودة إلى كلام حاكم مصرف لبنان منذ أيام، عن أن البنوك اللبنانية تلبي طلب العملاء على الدولار، مع إمكانية السحب من أجهزة الصراف الآلي في معظم البنوك، وتأكيده أن الدولار متوفر في لبنان والكلام عن شحه غير دقيق.. رب سؤال: إذا كان كلام الحاكم دقيقاً، إذاً، ما تفسير ارتفاع الطلب على الدولار؟ وفي حال صحة تطمينات سلامة عن أن احتياطيات البنك المركزي تتجاوز 38.5 مليار دولار، وهو حاضر في السوق ولا حاجة إلى إجراءات استثنائية، إذاً، لماذا تتخذ المصارف إجراءات قاسية للحفاظ على موجوداتها من الدولار؟ ولماذا علّقت عمليات التحويل من الليرة إلى الدولار؟ ولماذا وضعت سقوفاً للسحوبات بالعملة الأجنبية؟
كل تلك الإجراءات المصرفية الهادفة إلى الحفاظ على السيولة من النقد الأجنبية، وما يرافقها من شح بالدولار في الأسواق والارتفاع الصاروخي لتسعيره لدى سوق الصرافة، وبالتوازي مع إعلان مصرف لبنان عزمه تنظيم عمليات تمويل استيراد القمح والبنزين والدواء بالدولار، وتوضيح ذلك يوم الثلاثاء المقبل، لا يشي سوى بفك الارتباط بين الليرة والدولار، وإن بطريقة غير معلنة حتى اللحظة. واختبار السوق من قبل مصرف لبنان قبل إعلان السوق السوداء للدولار أمراً واقعاً على الجميع التعامل معه باستثناء القطاعات (المحروقات والقمح والدواء) التي ذكرها سلامة وأعلن نية مصرف لبنان تنظيم عمليات تمويل استيرادها بالدولار.