جبل النمرود (Nemrut Dağı)..
جبل النمرود (Nemrut Dağı)
وفيما يخص حكاية النمرود، لم يرد اسم “النمرود”، في النص القرآني، وإنما ربط مفسرون مثل الطبري، بين الملك نمرود البابلي، والملك الذي تحداه النبي إبراهيم، في سورتي الأنبياء والبقرة، فيما شكك بعض المؤرخين والمفسرين، في علاقة نمرود التاريخية، مع الملك الطاغي الذي ذُكر في القرآن، واعتبرت العديد من الثقافات، أن نمرود أحد الأساطير العملاقة، ويرمز لقوى الشر، حيث سميت العديد من المدن التراثية في العراق باسمه.
ويتكون البناء المذهل في جبل النمرود، من مجموعة ضخمة من الألواح الصخرية، لتُكَوِّن ما يشبه الهرم، الجزآن الشرقي والغربي، عبارة عن مدرجات، توصل إلى معبد مفتوح، وعلى هذه المدرجات، توجد تماثيل هائلة لأسود وصقور، و5 تماثيل ضخمة للآلهة التي كانوا يعبدونها، منهم 4 رجال وامرأة، وهي أكثر الأشياء المذهلة المحفوظة في هذا المكان.
الأسرار الدينية في جبل النمرود
ذكر الكاتب سليمان غانم أن المعبد الملكي، الذي تم تأسيسه على الجبل، من قبل الملك أنطيوخوس الأول، يجسد بوضوح، ثقافة التوفيق بين الأديان، التي كانت شائعة في تلك الفترة، في الممالك الهلنستية، عبر دمج تماثيل الآلهة الإغريقية والفارسية، بلباس موحد، وهو إشارة إلى المساواة بين العقائد، لدمج الشعبين الفارسي والإغريقي، إلا أن الجبل غامض لناحية معانيه الدينية، وأسباب تأسيسه، والديانة التي كانت متبعة في المملكة.
ويعتقد الباحثون، أن النصب في الأصل، تم تأسيسه بمساحتين كبيرتين؛ الأولى في الجهة الشرقية، استخدمت من أجل الاحتفال بعيد ميلاد الملك أنطيوخوس الأول، والأخرى في الجهة الغربية، استخدمت للاحتفال بذكرى التأسيس، في عام 62 ق.م، وهو اليوم الذي يعتقد بأن الملك أنطيوخوس، أصبح فيه عضوًا في الجماعة الدينية السرية، لمملكة كوماجين.
ومملكة الكوماجين، تعني “مجتمع الأحياء”، وقد وُجدت كمملكة مستقلة عن ميثيريدس كالنكوس (Mithridates Kallinikos) الأول، في بداية القرن الأول قبل الميلاد.
وقد ظهرت أهمية مملكة الكوماجين، أثناء حكم انطيوخوس إبيفانيس (Antiochus Epipanses)، إبن ميثيريدس كالنكوس (62-32 قبل الميلاد)، وفي عام 62 قبل الميلاد، تم بناء المعبد على قمة الجبل، وكان يحرسه تمثالان كبيران لأسدين، وتمثالان لصقرين، والعديد من “الألهة” اليونانية والأرمانية والإيرانية.
وكل إله، كان مكتوبًا عليه اسمه، وعندما تم اكتشاف المعبد، كانت رؤوس التماثيل منفصلة عن التماثيل، وملقاة على الأرض، ويشير ذلك إلى أنها تضررت بشكل مُتَعمد.
وقد وُجدت في الموقع، تماثيل أخرى، يصل طولها إلى 49 متر، وقطرها 152 متر، وقد اتخذت التماثيل النظام اليوناني في نحتها، ولكن الملابس كانت تبدو فارسية.
وتحتوي الشرفة الغربية، على تمثال كبير لأسد، ويظهر بالقرب منه، عرض لترتيب النجوم والكواكب، (عطارد والمريخ والمشتري)، ويعتقد المؤرخون أنه ربما قام هؤلاء القوم باكتشاف هذه الكواكب، عندما بدؤوا في العيش على قمة الجبل.
أما الجزء الشرقي، كان محفوظًا بشكل جيد، فقد كان يتألف من طبقات من الصخور، وممر جدرانه من الصخور، يربط بين الجزأين الشرقي والغربي، ويمر بقاعدة الجبل، ويُعتقد أن هذه الموقع، كان يُستخدم لعمل الطقوس الدينية، خلال الظواهر الفلكية.
ويعد أفضل الأوقات لزيارة هذا الموقع التاريخي، من 15 أيار/ مايو، إلى 15 تشرين الأول/ أكتوبر، عن طريق حافلة رحلات يمكن أن تستقلها من “قحطا” أو “آديمان”، وتُعد مشاهدة شروق وغروب الشمس، من أهم النشاطات المفضلة على الجبل، نظرًا لمنظره الساحر.
وبشأن بعض التفاسير والتحاليل التاريخية لحقيقة تكون هذه الآثار ودلالتها، نشر الكاتب سليمان غانم، أبحاثه في مقال، ضمن أبحاث تاريخية قائلًا: “من الممكن وفق المعطيات الأثرية للمعبد، في جبل النمرود، أن يكون الملك أنطيوخوس الأول، واحدًا من الكهنة المجوس، الذين لديهم معرفة فلكية خارج حدود الأرض، ومن الممكن أن يكون موقع المعبد، مكان اتصال بين المؤمنين المجوس، والمشتغلين بعلم التنجيم والفلك والفضاء الخارجي، فالمعطيات الأثرية في الموقع، تتيح طرح مثل هذه الفرضية، أو التأكيد على مثل هذه الفكرة!”.
وعندما ضمت المملكة من قبل الرومان في القرن الأول الميلادي، تفرقت الحاشية الدينية لمعبد جبل النمرود في المنطقة، بعد هدمه من قبل الرومان، في ذلك الزمن، واختفت هذه الحاشية بما تحمله من أسرار دينية تخص المملكة، وبقيت الأسرار الغامضة التي تحيط بالجماعة الدينية السرية، وبمملكة كوماجين، والديانة المتبعة فيها لغزًا عصيًا على الفهم، لكن بالتأكيد أغلب الباحثين يؤكدون على أن الغموض، والمعلومات القليلة التي تم جمعها من الموقع، تدل وبكل تأكيد، على معرفة قوية واستثنائية بعلم الفلك والتنجيم، وعلى أفكار دينية عالمية متقدمة في ثقافتها الجامعة.